النظرية الأولى: هي النظرية البنيوية, أو الفلسفة البنيوية, وهي فلسفة حديثة ظهرت في
أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية؛ لكنها استطاعت أن تجتاح كثيراً من المفكرين ولا سيما في
فرنسا وفي غيرها؛ فهي تنظر للأمور على أنها بُنية ولا تنظر إليها على أنها أحادية مسطحة مبسطة، فعندهم أن البنية التفكيرية أو البنية العقلية؛ البنية المعرفية للإنسان منذ أن عُرف واحدة, وأنها لم تكن مبسطة ثم تعقدت؛ بل يقولون: إن الأديان الأكثر تعقيداً هي الأديان البدائية أو الأديان ما يسمى الهمجية. ويقولون: إن المشاعر والتفكير عند الإنسان الذي يعيش في الغابة أعمق والحاسة السادسة أو السابعة عنده موجودة أقوى وربما مفقودة عند الإنسان الحديث!وبهذه الطريقة نوع من الانقلاب الفكري أحدثته النظرية البنيوية في النظرة إلى الجنس البشري وإلى الأفكار البشرية، وإلى اللغة بالذات وإلى دلالة اللغة، وإلى دلالة الأشياء التي يمكن أن نعتبرها مواداً للتاريخ أو نأخذ منها نظرية في المعرفة التاريخية؛ البنيوية قلبت هذه الأشياء وجعلتنا أمام بُنية من التفكير, ونسق متكامل, ولسنا أمام أفكار أحادية بسيطة.فمثلاً: عندما يدرسون (الفُلكلور) فهم لا يدرسونه على أنه مجرد نوع من الأدب الشعبي الخرافي؛ بل يدرسونه على أنه دال من حيث دلالته القوية والواضحة على أن هناك فكراً منظماً، وعلى أن هناك عمقاً في النظرة, وعلى أن هناك عقائد دقيقة ومفصلة من الصعب فهمها إلا إذا درستها دراسة طويلة جداً. وهكذا.وغيرت البنيوية النظرة إلى الأسطورة تغيراً كبيراً، فبعد أن كانت خرافة صنعها الوهم، أصبحت الاتجاهات والدراسات الحديثة الآن تقول: الأسطورة لها دلالات, لها أبعاد, لها أعماق، تعبر عن شعور الإنسان, تعبر عن دين الإنسان، تعبر عن حقائق كثيرة جداً، فلا يمكن أن ننظر إليها النظرة القديمة! لماذا هذه الأسطورة وجدت؟! لماذا في هذه البيئة؟ ولماذا تركبت الأسطورة من هذه العناصر؟! هناك مجالات واسعة وعميقة للبحث العلمي؛ فربما تكون بعض الأساطير أعقد بكثير وأعمق في التفكير من أي نظرية لـ
أرسطو أو لـ
أفلاطون ؛ بل من أي نظرية لفيلسوف معاصر مثل:
برانتد راسل أو
وليام جيمس , أو أي واحد من هؤلاء.حقيقة التفكير البنيوي في جملته وهو لا يزال يحتاج إلى تمحيص وإلى نقد وإلى دراسة؛ لكنه أدى إلى نوع من الانقلاب الفكري في النظرة.